الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} أي فكيف رأيت ما صنعت بهم، فكذلك أصنع بمشركي قومك.قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} ليس هذا القيام القيام الذي هو ضدّ القعود، بل هو بمعنى التولّي لأمور الخلق؛ كما يقال: قام فلان بشغل كذا؛ فإنه قائم على كل نفس بما كسبت أي يقدرها على الكسب، ويخلقها ويرزقها ويحفظها ويجازيها على عملها؛ فالمعنى: أنه حافظ لا يغفل، والجواب محذوف؛ والمعنى: أفمن هو حافظ لا يغفل كمن يغفل.وقيل: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ} أي عالم؛ قاله الأعمش.قال الشاعر:
أي عالم؛ فالله عالم بكسب كل نفس.وقيل: المراد بذلك الملائكة الموكلون ببني آدم، عن الضحاك.{وَجَعَلُواْ} حال؛ أي أو قد جعلوا، أو عطف على: {اسْتُهْزِئ} أي استهزؤوا وجعلوا؛ أي سَمّوا: {للَّهِ شُرَكَاءَ} يعني أصنامًا جعلوها آلهة.{قُلْ سَمُّوهُمْ} أي قل لهم يا محمد: {سَمُّوهُمْ} أي بيّنوا أسماءهم، على جهة التهديد؛ أي إنما يسمّون: اللاّت والعُزّى وَمَنَاة وهُبَل.{أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأرض}: {أم} استفهام توبيخ، أي أتنبئونه؛ وهو على التحقيق عطف على استفهام متقدّم في المعنى؛ لأن قوله: {سَمُّوهُمْ} معناه: أَلَهُمْ أسماء الخالقين.{أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ}.وقيل: المعنى قل لهم أتنبئون الله بباطن لا يعلمه.{أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} يعلمه؟ فإن قالوا: بباطن لا يعلمه أحالوا، وإن قالوا: بظاهر يعلمه فقل لهم: سموهم؛ فإذا سموهم اللاّت والعُزّى فقل لهم: إن الله لا يعلم لنفسه شريكًا.وقيل: {أَمْ تُنَبِّئونَهُ} عطف على قوله: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ} أي أفمن هو قائم، أم تنبئون الله بما لا يعلم؛ أي أنتم تدعون لله شريكًا، والله لا يعلم لنفسه شريكًا؛ أفتنبئونه بشريك له في الأرض وهو لا يعلمها وإنما خصّ الأرض بنفي الشريك عنها وإن لم يكن له شريك في غير الأرض لأنهم ادعوا له شركاء في الأرض.ومعنى.{أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القول}: الذي أنزل الله على أنبيائه.وقال قَتَادة: معناه بباطل من القول؛ ومنه قول الشاعر: أي باطل.وقال الضّحاك: بكذب من القول.ويحتمل خامسًا: أن يكون الظاهر من القول حجة يظهرونها بقولهم؛ ويكون معنى الكلام: أتخبرونه بذلك مشاهدين، أم تقولون محتجين.{بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ} أي دع هذا بل زين للذين كفروا مكرهم؛ قيل: استدراك على هذا الوجه، أي ليس لله شريك، لكن زين للذين كفروا مكرهم.وقرأ ابن عباس ومجاهد: {بَلْ زَيَّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ} مسمَّى الفاعل؛ وعلى قراءة الجماعة فالذي زَيّن للكافرين مكرهم الله تعالى، وقيل: الشيطان.ويجوز أن يسمى الكفر مكرًا؛ لأن مكرهم بالرسول كان كفرًا.{وَصُدُّواْ عَنِ السبيل} أي صدّهم الله؛ وهي قراءة حمزة والكسائي.الباقون بالفتح؛ أي صدّوا غيرهم؛ واختاره أبو حاتم، اعتبارًا بقوله: {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} [الأنفال: 47] وقوله: {هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام} [الفتح: 25].وقراءة الضم أيضًا حسنة في: {زين} و: {صدّوا} لأنه معلوم أن الله فاعل ذلك في مذهب أهل السنة؛ ففيه إثبات القَدر، وهو اختيار أبي عبيد.وقرأ يحيى بن وثّاب وعلقمة: {وصدّوا} بكسر الصاد؛ وكذلك.{هذه بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} [يوسف: 65] بكسر الراء أيضًا على ما لم يسم فاعله؛ وأصلها صدِدوا وردِدت، فلما أدغمت الدال الأولى في الثانية نقلت حركتها على ما قبلها فانكسر.{وَمَن يُضْلِلِ الله} بخذلانه.{فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} أي موفّق؛ وفي هذا إثبات قراءة الكوفيين ومن تابعهم؛ لقوله: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ}، فكذلك قوله: {وَصَدُّوا}.ومعظم القراء يقفون على الدّال من غير الياء؛ وكذلك: {والٍ} و: {واقٍ}؛ لأنك تقول في الرجل: هذا قاضٍ ووالٍ وهادٍ، فتحذف الياء لسكونها والتقائها مع التنوين.وقرئ: {فَمَا لَهُ مِنْ هَادِي}، و: {وَالِي} و: {وَاقِي} بالياء؛ وهو على لغة من يقول: هذا داعي ووالي وواقي بالياء؛ لأن حذف الياء في حالة الوصل لالتقائها مع التنوين، وقد أمنا هذا في الوقف؛ فردّت الياء فصار هادي ووالي وواقي.وقال الخليل في نِداء قاضٍ: يا قاضي بإثبات الياء؛ إذ لا تنوين مع النداء، كما لا تنوين في نحو الداعي والمتعالي.قوله تعالى: {لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الحياة الدنيا} أي للمشركين الصادّين، بالقتل والسَّبْي والإسار، وغير ذلك من الأسقام والمصائب.{وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَقُّ} أي أشدّ؛ من قولك: شَقّ عليّ كَذا يَشُقّ.{وَمَا لَهُم مِّنَ الله مِن وَاقٍ} أي مانع يمنعهم من عذابه ولا دافع.و{مِن} زائدة. اهـ.
|